CSID Banner in Arabic 1
Al-Shorouk Logo

رئيس مركز دراسة الإسلام والديمقراطيّة - رضوان المصمودي للشروق 

 

 الفرصة مواتية لإرساء شراكة إستراتيجية مع واشنطن  

السبت 28 جويلية 2012 الساعة 12:43:10 بتوقيت تونس العاصمة


تونس ـ الشروق

في هذا الحديث يتطرّق الدكتور رضوان المصمودي رئيس مركز دراسة الإسلام والديمقراطيّة إلى حدود العلاقات التونسيّة الأمريكيّة في ظلّ الأوضاع الجديدة، وعن فرص استثمار شراكة إستراتيجية فعليّة مع واشنطن الّتي يرجّح عديدون أن يتمّ تعيين الدكتور المصمودي سفيرا لتونس بها.  


حوالي سنة ونصف بعد الثورة كيف تقيم دكتور واقع العلاقات التونسية الأمريكية ؟

 

العلاقة بين تونس وأمريكا عريقة وعمرها اكثر من 200 سنة وتونس كانت من أولى الدول التي اعترفت باستقلال امريكا. هذه العلاقة عرفت في العقود الاخيرة 3 أطوار أساسية الأول في فترة الكفاح الوطني وقد ساندت أمريكا استقلال تونس ولعبت دورا كبيرا في الدفاع عن مواقفها التحررية . بعد الاستقلال تدعمت العلاقة بفضل الاحترام الكبير الذي أبدته الإدارات الأمريكية للنموذج التونسي وشخصية الرئيس الأول للجمهورية الحبيب بورقيبة. في تلك الفترة اختارت الدول التي تحررت من الاستعمار تجارب لم تكن موفقة عكس تونس التي راهنت على التعليم وتحرير المرأة والتنمية الاجتماعية وكانت مواقفها الدبلوماسية متوازنة في الغالب. اضافة الى الدور الذي لعبته سفارة تونس في واشنطن في تدعيم هذه العلاقة.

 

رغم حجم تونس الجغرافي الصغير فانها موقعها في السياسة الامريكية كان كبيرا وإعجاب واشنطن بالتجربة التنموية في تونس جعلها تخصص لبلادنا برنامجا لنقل التكنولوجيا بكلفة 200 مليون دولار استفاد منه 1500 طالب حصلوا على ارفع الشهادات من الجامعات الامريكية وكنت منهم . في عهد بن علي كانت العلاقة عادية في السنوات الاولى من حكمه ولكنها تدهورت بشكل كبير في العشر سنوات الأخيرة. بسبب السجل السيء لحقوق الانسان في تونس. بعض المسؤولين الأمريكيين كانوا يقولون ان رائحة انتهاكات حقوق الانسان والفساد تزكم الأنوف.

 

لكن بن علي كان حليفا لواشنطن رغم الانتقادات؟

 

تونس بقيت دولة صديقة لأمريكا ولكن العلاقات بين البلدين تدهورت في مختلف الميادين بما في ذلك السياسي. في العشر سنوات الأخيرة كان بن علي شخصا غير مرغوب فيه بالنسبة للإدارة الأمريكية. عندما شارك في قمة الألفية رفض كلينتون محادثته وتعمد بن علي التواجد في الرواق ليغنم لقاء عفويا وغير مقصود بعد خروج كلينتون من جلسة مع عرفات.

 

طبعا وسائل الاعلام التونسية اعتبرته محادثة. زيارته في عهد بوش تأجلت أكثر من مرة وحين استقبله في البيت الأبيض كان لقاء عاصفا ومهينا للرئيس التونسي الذي تصور انه قادر على مقايضة حقوق الإنسان بمشاركته في الحرب على الإرهاب.

 

للأسف الدكتاتورية أساءت كثيرا لصورة تونس حتى في مستوى الخبراء الأكاديميين . اغلبهم اعتبروا الحالة التونسية ميؤوسا منها وامتنعوا عن إنجاز دراسات عن تونس مثل سوزان دقلس وروبن رايت وليسا اندرسن ... بالنسبة اليهم لا فائدة من دراسة نظام دكتاتوري وفاسد.

 

هل تغيرت هذه الصورة بعد الثورة ؟

 

ولكن ليس بالشكل المطلوب . الكونغرس احتفى بتونس صانعة الربيع العربي. والرئيس أوباما خصص فقرات مطولة في خطابه لتونس ولمحمد البوعزيزي ولكن الحكومات بعد الثورة وخاصة حكومتا الغنوشي وقائد السبسي لم تحسنا تسويق الثورة التونسية في واشنطن تحديدا وأضاعتا كثيرا من الفرص للحصول على الدعم الاقتصادي الكافي لإنجاح الانتقال الديمقراطي. الدعم السياسي موجود وساهم في حماية الثورة من كثير من اعدائها في الداخل والخارج ولكن الدعم الاقتصادي بالخصوص مازال دون المطلوب. والشراكة بين البلدين لم تبلغ المستوى المأمول.

 

لكن هناك من يقول ان واشنطن تبدو مهتمة بدول أخرى وتحديدا مصر وليبيا؟

 

مصر لها ثقلها الاستراتيجي في واشنطن المرتبط بتوازنات الشرق الاوسط وليبيا غنية بالثروات وهي دولة في طور البناء وكانت في محور الشر بالنسبة لأمريكا طبيعي ان تهتم بها الادارة الامريكية. تونس رغم حجمها الصغير فجرت ثورات الربيع العربي وهناك إجماع على اعتبارها انجح تجربة في الانتقال الديمقراطي الى حد الان وهي في طريقها لان تصبح نموذجا.


هنا تبدو مسؤولية الطرف التونسي كبيرة للتعريف بإنجازات الثورات والحصول على الدعم الكافي لها. وللأسف الجبهة المعادية لدكتاتورية بن علي لم تتحول إلى جبهة داعمة للثورة لأنها لم تتعرف بالقدر الكافي على واقع تونس بعد الثورة وخاصة في ظل وجود أفكار مسبقة عن الإسلاميين بالخصوص ودعني أقول وجود حملات منظمة للتشويه والتعبئة ضد الحكومة. من المطلوب التحرك بنجاعة لكسب المزيد من الأصدقاء في العالم وخاصة في أمريكا.

 

البعض يرى دكتور أن تأثير أمريكا تراجع في العالم وان المطلوب التركيز على عواصم أخرى تبدو اكثر فائدة لتونس؟

 

حول تراجع مكانة أمريكا يكفي ان اذكر انها تمثل ربع الاقتصاد العالمي ونصف القوة العسكرية العالمية وهي الطرف الاكثر تأثيرا في الهياكل والمؤسسات الدولية لانها اكبر دولة مانحة. صحيح الساحة الدولية منفتحة وفيها لاعبون مهمون ولكن لا اعتقد ان ذلك يعني تراجع مكانة امريكا في العالم. والأحداث الاخيرة أكدت ان الدعم الامريكي للانتقال الديمقراطي كان حاسما في عديد الملفات وفي عديد التجارب.

 

أمريكا مقتنعة بالانتقال الديمقراطي وهي تنظر لتونس نظرة إيجابية ولكن المطلوب اليوم ان نعمل على تحويل هذه النظرة من حيز الاحتفاء والتثمين لبلورة توجهات عملية واضحة في اطار شراكة إستراتيجية تشمل الاقتصاد والتبادل العلمي والتكنولوجي يكفي ان نقول أن العلاقات بين الجامعات التونسية والجامعات الأمريكية تقريبا في مستوى الصفر رغم الاعتمادات والتمويلات الضخمة التي لا تستفيد منها جامعاتنا. وهنا أعطي أرقاما لها دلالة حول الدعم المالي الذي تقدمه واشنطن لدول مثل الأردن التي تحصل على 600 مليون دولار سنويا والمغرب على 500 مليون دولار وطبعا مصر على 1500 مليون دولار.
 تونس بإمكانها الاستفادة من الدعم بشرط التحرك الجيد

 

لكن الدعم يعني الولاء والاصطفاف وراء القرار الأمريكي؟

 

ليس بالضرورة والتجربة التركية تؤكد ذلك والدول التي ذكرتها لها استقلاليتها وسيادتها. في تونس نحن نتفق في عديد المواقف الخارجية مع واشنطن ونختلف في موضوع الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية وهو شيء مقبول ويعالج بالحوار عبر القنوات الدبلوماسية وليس المزايدات  ، التعاون والشراكة لا يعني تضييع الاستقلال او السيادة.

 

بصورة عملية كيف نبني شراكة إستراتيجية مع واشنطن؟

 

كما قلت الدكتاتورية أساءت لهذه العلاقة ويمكن أن نضيف عاملين هما تراجع دور سفارتنا بواشنطن التي باتت تعمل باملاءات القصر ودون مبادرة او انفتاح حتى على الجالية التونسية. العامل الثاني هو غياب إستراتيجية واضحة للتعامل مع واشنطن النظام السابق ركز على تلميع صورته وانفق أموالا طائلة في المقالات الإشهارية التي كانت تثير السخرية عوض الترويج للسياحة والاقتصاد ...

 

اعتقد ان الراهن اليوم هو بناء لوبي تونسي في الإدارة الأمريكية والكونغرس والمجتمع المدني والمؤسسات الاقتصادية والجامعات ومراكز البحث العلمي.والتحرك للحصول على دعم مالي كبير وعاجل في مرحلة اولى ثم اقناع المستثمر الذي قد يتردد في القدوم لدولة تعيش مرحلة انتقالية. الخطوة الثانية تعبئة الجالية التونسية للتعريف بأهداف الثورة وإنجازاتها وتشجيعها على الاهتمام بالاستثمار في تونس. الخطوة الثالثة في اتجاه النخب التونسية التي تحتل مكانة مرموقة في المجتمع الأمريكي وفي مراكز القرار في اكبر الشركات والمؤسسات العلمية والبنوك والهياكل الدولية والأممية الموجودة في أمريكا.

 

عديدون يرشحونكم لمنصب ديبلوماسي في إطار تعيينات جديدة منتظرة؟

 

 همتي تعلقت بخدمة بلدي وكان بإمكاني الاندماج في المجتمع الأمريكي كأي حاصل على شهادة من أرقى الجامعات. ولكن فضلت الدفاع عن الديمقراطية ضد الدكتاتورية والاستبداد وضد المزاعم الباطلة بوجود تناقض بين الاسلام والديمقراطية. وقد وضعت علاقاتي الواسعة وخبرتي بالمجتمع الأمريكي في خدمة القضايا العادلة لتونس ولامتنا ولن أتأخر عن القيام بأي دور مفيد لإنجاح الانتقال الديمقراطي وفي اي موقع كان.

 

 

خالد الحدّاد