CSID Banner in Arabic 1

حوار مهمّ جدًّا حول العلمانيّة و علاقة الدين بالدولة في تونس الحرّة و الديمقراطيّة

 

تيار فكري محل جدل

 

العلمانية في تونس تطرق باب السياسة والمجتمع

 

تهمة الإلحاد.. دين الدولة.. أحكام الإرث.. زواج التونسية بغير المسلم.. الحجاب



ملف من اعداد منية العرفاوي لطالما أثارت العلمانية في تونس كتيار فكري ومجتمعي جدلا واسعا بين العامة التي التبست في ذهنها مفاهيم العلمانية وحتّى بين النخب المثقفة التي تتشعّب مشاربها الفكرية وتتباين

 

فبين من اعتبرها مكسبا حضاريا منخرطا في سياق المشروع الحداثي لبناء الدولة العصرية وبين من أشهر في وجه التيار فزّاعة الإلحاد العلماني رغم أن العلمانية تدعو في جوهرها إلى فصل العقائدي عن الدنيوي وبالتالي فصل الدين عن السياسة و لا تدعو إلى الإلحاد باعتبار أن الإلحاد موقف إيديولوجي من الدين على خلفية الدحض التام لوجود الإله والاعتقاد فيه. وبعد 14 جانفي جاهرت العديد من النخب المستقلة أو المنخرطة في نسيج المجتمع المدني كجمعيات مستقلة بمطالب تتمسّك بعلمانية الدولة كخيارلا رجعة فيه وضامن لتحقيق مسار ديمقراطي لا يقصي أحدا ولا يمنح كذلك الوصاية إلى أحد.


فاحترام الحريات والحقوق الفردية ومن بينها حرية المعتقد وإشاعة مناخ من الديمقراطية والتعددية مطلب مجتمعي ولبنة هام في بناء دولة حديثة على أسس صحيحة..


"الأسبوعي" ارتأت فتح ملفّ العلمانية في تونس إيمانا منّا بدور الإعلام في فسح المجال لكل التيارات الفكرية والحزبية في التعبيرعن آرائها وأطروحاتها ..وقد اتصلنا ببعض الوجوه التي عرضت مواقفها لتوضّح أفكارها �العلمانية �أو�اللائكية� ورؤيتها السياسية والاجتماعية فيما يتعلّق بالمشهد السياسي في قادم الأيام


عبد اللطيف الحناشي (مؤرخ و أستاذ جامعي :( هل نحتاج للعلمانية في مجتمع مندمج؟ لن يحظى أي حزب في الانتخابات بإجماع الناخبين
لا يمكن أن نتحدّث عن العلمانية بمعزل عن تناول المصطلح في حدّ ذاته بالبحث والتمحيص واستشفاف أبعاده و معانيه التاريخية والحضارية وتنزيله في سياقه التاريخي..فالعلمانية أو اللائكية تطرحان عديد الاستفهامات التي تغوص في المعاني لتصل إلى الأبعاد..وقبل أن نفسح المجال لشخصيات علمانية للافصاح عن أفكارها والتعبير عن رؤاها ارتأت �الأسبوعي� أن نسلّط الضوء على هذا الملف من منطلق المرجعية التاريخية والايديولوجية وحتى اللغوية. وللغرض اتصلنا بعبد اللطيف الحناشي أستاذ التاريخ المعاصر والمؤرّخ الذي حاول تقريبنا من المصطلح ومفهومه..
حول كلّ ما تقدّم يقول الدكتور عبد اللطيف الحناشي: �إذا كانت العلمانية في جوهرها ومنطلقاتها دعوة لفصل الدين عن الدولة فان التصورات السياسية هي من اهم التصورات التي أبرزتها هذه الحركة.ففي هذا الإطار طرحت شعارات القومية كسبيل لإحياء رابط جديد بديل عن الرابط الديني من حيث المصطلح نقول: العلمانية من العالم و التي ظهرت كردّ يناهض الصلاحيات الالاهية التي كان يتمتّع بها رجال الدين في أوروبا في القرون الوسطى والكهنوت بحيث يكون رجال الدين واسطة بين الالاه والبشر ولذلك ظهر التيار العلماني منذ الثورة المعرفية التي نادت بفصل الدين عن الدولة وعندما نتحدّث يجب أن نميّز بين �علمانيتين� علمانية ملحدة وعلمانية مؤمنة وهي التي تؤمن بوجود الله لأنها تعتقد أن الدين معطى سام لا يجب ادماجه في ممارسة السياسية. فالسياسة هي لعبة مصالح تستدعي اتخاذ قرارات تتناقض مع الأخلاق ومع القيم التي هي جوهر الدين و كما يقولون �الدين للّه والوطن للجميع� فممارسة الحكم هي في النهاية الاحتكام الى قوانين موضوعية ومدنية قد نصيب عند اتخاذها ونخطأ وحتى ولو كانت كل الديانات قابلة للاجتهاد ففي عهد الرسول كان يفتي في الشأن العام بأحكام الشريعة التي كانت تنزل عليه بالوحي وبعد وفاته أصبح هناك تداخل بين الدين والسياسة.


فثلاثة من الخلفاء تمّ اغتيالهم لأن هناك خلافات سياسية بالأساس وليس لأنهم لم يطبّقوا الدين.
ومنذ ذلك الوقت دخلنا في إشكالية تطبيق الشريعة الإسلامية.


إما بالنسبة للعلمانية الملحدة فهي تلك التي تنفي وجود اللّه تماما وتلغي أي علاقة بين الدين والدولة وفي تاريخ أوروبا أوّل من مارس هذه العلمانية الملحدة هي فرنسا والتي هي علمانية متطرّفة يعبّرعنها باللائكية وعموما فرنسا تختلف عن باقي الدول الأوروبية لأن في باقي دول أوروبا هناك أحزاب مسيحية ديمقراطية ففرنسا قطعت مع البابوية منذ 1905 وحتى وان رجعت علاقتهما في مستوى معيّن .


بوادر العلمانية في تونس


وبسؤالنا حول الجذورالأولى للعلمانية في تونس قال محدّثنا: �أوّلا. قبل الحديث عن العلمانية في تونس نتحدّث عنها في العالم العربي والإسلامي إنها وفدت علينا مع الاستعمار الغربي الرأسمالي .كذلك جاءت مع أفكار الثورة الفرنسية ومع الاختراق الاقتصادي للعالم العربي. وأوّل ما راجت في تركيا كما لاقت الأفكار العلمانية رواجا في لبنان في الأوساط المسيحية التي كانت أقلية لكن متعلّمة وكانت مقصية سياسيا. كالأقليات المضطهدة على أساس ديني وليس على أساس قومي .فالأقليات المسيحية في لبنان والأقليات القبطية في مصر كانت تعامل كأهل ذمة بحقوق سياسية ناقصة وهوما دفعهم الى ايجاد ضمانة قانونية تضمن حقوقهم وتجسّدت من خلال مطالبة بفصل الدين على الدولة.
في تونس ليس هناك مفهوم علماني فلسفي دقيق بل هناك تنظيرات ولا دعاوي جدية لانتهاج مذهب علماني واضح لا في فترة دخول الاستعمار ولا في الفترة المعاصرة حتّى الطاهر الحدّاد لا نستطيع القول أن له تصوّر علماني دقيق


بورقيبة واللائكية


لا يخفى على أحد أن من الأفكار التي روّجها �خصوم � بورقيبة هو انسلاخه الفكري والعقائدي عن الهوية العربية الإسلامية بحيث ألصقت به تهم الإلحاد اللائكي وحول ما تقدّم يقول الدكتور حناشي: �بالنسبة لبورقيبة وعلى عكس ما يشاع فأن أؤكّد كمؤرّخ أنه لا يوجد نصّ أو خطاب دعا أو تحدّث فيه بورقيبة على العلمانية فإبان الاستعمار كان يدعو في أولى نضالاته السياسية سواء عبر كتاباته الصحفية أو عبر خطاباته عن المرأة التونسية للبس �الخمار� ويعارض من يدعو إلى سفورها وهذا تقريبا في نهاية عشرينات القرن الماضي وكان دافعه في ذلك أن �السفساري� و�الخمار� من جوهر الذاتية التونسية كما أن أوّل عمل سياسي قام به هو قيادته لمظاهرة ضدّ التجنيس تعكس عدم قبوله للأخر المختلف عقائديا..ولعل بذلك وظّف الدين للسياسة بشعور منه أو من دونه. كما أن ما لصق به بعد إرساء دولة الاستقلال من كونه دعا إلى إفطاررمضان وتحريرالمرأة لا يعني ضرورة اللائكية ..وعموما لو كان لائكيا حقيقيا لأرسى نظاما ديمقراطيا..فصحيح أنه قام بتصفية الأحباس وأعاد هيكلة التعليم الزيتوني غيرأن ذلك من منطلق مشروع حداثي غيرلا ئكي .
فاللائكية أوالعلمانية هي الديمقراطية ولا يمكن أن نكون ديمقراطيين (نظريا) الا باللائكية مع مراعاة خصوصياتنا الحضارية.


اللائكية وتنامي التيارات الدينية


لعلّ اللافت هو تعالي الأصوات المنادية بالعلمانية وخروجها للشارع للتظاهر والتعبير عن رأيها في هذا الشأن كان عقب إفصاح بعض التيارات الدينية عن نواياها في الحصول على ترخيص والدخول في النشاط السياسي الفعلي وأفاد محدّثنا: � قلنا مسبقا إن العلمانية نشأت في الغرب للحدّ من السلطة المطلقة لرجال الدين ونشأت في الشرق لضمان حق أقلية طائفية ودينية..وبالتالي عندما نتحدّث عن العلمانية في تونس فان السؤال الذي يطرح هوهل نحن في حاجة للعلمانية في إطار بلد مندمج طائفيا ومذهبيا ودينيا ..وهل أن المجاهرة بالعلمانية كمطلب شعبي لمسناه في مظاهرات كثيرة جابت شارع بورقيبة بعد 14 جانفي كان نتيجة تنامي التيارات الدينية ومطالبتها بمكان لها في المشهد السياسي التونسي أوأن من يطرحها كبديل حضاري وثقافي للهوية العربية الاسلامية له خلفيات معينة وأغراض قد يكون يهدف من ورائها الى التشكيك في الهوية والى اسقاط مفاهيم قد لا تتماشى مع المجتمع التونسي شديد الاندماج والتماهي فمثلا في لبنان رغم أن هناك أديانا وطوائف وقوميات متعدّدة و النظام السائد غير لائكي طائفي..


نقائص اللائكية


تبرز نقائص المذهب العلماني بالنظرالى الخصوصيات الحضارية ونعود للسؤال المفصلي هل نحن كمجتمع تونسي متجذّر في هويته العربية والاسلامية فهناك تقريبا شبه وفاق ضمني على رفض الدولة بمقوماتها الدينية دون أن يعني ذلك الاعلان الصريح عن لائكية الدولة فهذا المطلب يحظى بتوافق من مختلف الحساسيات.


بالنسبة للفصل الأوّل من الدستور فهذا فصل يعبّر عن هويتنا الوطنية وليس فصلا مؤسسا لدولة دينية ولا فصل يقطع مع اللائكية وأنا أعتقد أنه يجب اضافة مقوّم حضاري له وهوأن تونس دولة مغاربية لما لهذا الاتحاد من ايجابيات على مستوى التكتّل الاقتصادي وايجابية القرار السياسي وثقله عالميا..وقضية الصحراء الغربية التي طالما تحجّج بها البعض كحجرعقبة تقف أمام وحدة مغاربية حقيقية يجب أن تسبق المصالح الاقتصادية المطامح السياسية.


تعايش فرقاء الأيديولوجية


حول ما سيفرزه الوضع الراهن من نظام حكم قادم أكّد الدكتورحناشي على �أن الشعب رفع مطلب تمثّل في إرساء نظام برلماني خاضع للأغلبية النسبية بما يتيح تمثيل أكبر للأحزاب حتّى في اطار ائتلاف حكومة والمهم أن تكون حكومة مسؤولة أمام الشعب وصلاحيات رئيس الجمهورية..وبالتالي ارساء دولة مدنية مع احترام الخصوصية العربية الاسلامية.وحتى حركة النهضة التي تعبرذات مرجعية دينية فمن المفروض عليها اذا كانت تريد فعلا أن تخوض غمارالحياة السياسية أن تتمسّك بمبادىء الجمهورية وبمكتسبات الشعب التونسي (مجلة الأحوال الشخصية) كما وأن هناك معطى هاما هوأن النهضة وبعد فترة من القمع والاقصاء السياسي لن تحظى بالأغلبية كما أنه في الانتخابات القادمة التشريعية والرئاسية لن يحصل أي إجماع شعبي على حزب سياسي بعينه.


صالح الزغيدي : نريد دولة مواطنين لا دولة مؤمنين


صالح الزغيدي من الوجوه الناشطة سياسيا التي أفنت عمرا في الدفاع عن قناعاتها وما تؤمن به من أفكار وهو من أبرز الشخصيات الوطنية التي دافعت عن لائكية الدولة وعن ضرورة الفصل بين الدين والسياسة فالوطن للجميع والمعتقد من أبرز حقوق الإنسان التي تقتضي ممارستها بكل حرية دون املاءات من أي طرف.. �الأسبوعي� التقت صالح الزغيدي كاتب عام الجمعية الثقافية التونسية للدفاع عن اللائكية الذي يناضل منذ ثلاث سنوات للحصول على التأشيرة والذي أكّد أنه لائكي وغير علماني �باعتبار أن اللائكية تحسم بشكل أدقّ في الفصل بين الدين والدولة.


ويضيف الزغيدي: من�الثوابت التي ندافع عنها هوأن رجال الدين لا يجب أن يلعبوا أي دورسياسي..فالدين في المساجد والساسة يسيرون أجهزة الدولة� وقد عبّرالزغيدي من خلال اللقاء الذي جمعنا به عن أطروحاته ورؤاه حول اللائكية وأهميتها الكبيرة إذ كنّا ننوي فعلا إرساء دعائم دولة ديمقراطية ومدنية حديثة تستجيب لتطلّعات مختلف الحساسيات السياسية والدينية..


رمزية الفصل الأول من الدستور


وحول تداخل الديني مع السياسي يقول الزغيدي �كان هدفنا من تأسيس الجمعية اللائكية منع هذا التداخل حتّى نضمن حياد الدولة وفي حيادها ضمان حتّى لممارسة المعتقد..فأحكام الشريعة تنظّم الحياة الدينية والقوانين الوضعية تنظّم الحياة السياسية والاجتماعية للمواطنين بقطع النظرعن معتقداتهم ومرجعياتهم الدينية فكلّنا يجب أن نتفق على معطى واحد وهو أنّنا مواطنون تونسيون�
وحول ما إذا كان الفصل الأوّل من الدستوريمثل اشكالا على مستوى الطرح اللائكي للفصل بين الدين والدولة :�شخصيا لا أرى اشكالا حقيقيا لهذا الفصل الذي يقرّ أن تونس دولة مستقلة: الإسلام دينها..وبالتالي الإسلام يعود على تونس كوطن والى هوية مواطنيها الذين هم في غالبيتهم مسلمون وبالتالي فالدولة هنا ليس لها دين وبالتالي نحن نستعمل رمزية العبارة على أن لا توظّف لأغراض سياسوية تخدم مصلحة المتكلمين والمحتكرين للدين الإسلامي وهذا طبعا مرفوض.�
وبالإضافة الى الدستور هناك قوانين وضعية أخرى تستلهم معانيها من الشريعة الاسلامية كقوانين الإرث في مجلة الأحوال الشخصية. وفي هذا الشأن أفادنا الزغيدي:�من المفروض أن نتعامل مع القانون كتشريع وضعي ومع الدين كشريعة الاهية وبالتالي فتونس التي صادقت على اتفاقيات دولية تقرّ المساواة بين الرجل والمرأة ونحن نعرف أن الاتفاقية أعلى من القانون وبالتالي فنحن نعلم أنه من غير الجائز الإبقاء على قوانين الإرث التي تكرّس دونية المرأة وبأنها أقلّ شأنا من الرجل. فالاجتهاد جائز ونجد حتى بعض دعاة الدين كحسن الترابي الذي أفتى في جواز المساواة في الارث .وبالتالي التمسّك بتلابيب الشريعة كمنهج للقانون الوضعي غير مبرّر ولا يستجيب الى قيم المواطنة الحقة ولا الى دولة حديثة ندّعي أنّنا سنرسيها.�


وأضاف الزغيدي :�الدين خيار وليس اكراها فنحن لا يمكن أن نحكم باسم المقدّس فنبيح زواج المسلم من غيرالمسلمة مثلا ونحرّم زواج المسلمة بغير المسلم..ولا أن نقرّ بمساواة بين الجنسين ندحضها ب:�وللذكر مثل حظّ الانثيين� في اعتراف ضمني بتفوّق الذكر ودونية المرأة مهما كان موقعهما الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي�.


وحول التقارب بين بعض العلمانيين والاسلاميين رغم اختلاف الرؤى أكّد الزغيدي:� أنا لا أفهم تحالف اليساريين والاسلاميين فحزب العمّال الشيوعي رفض امضاء عريضة في اطار حملة للمطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة وتحجّج بأن �موش وقتو� وتحالف مع الاسلاميين في هيئة 18 أكتوبر رغم اختلاف الأطروحات.�


حاجتنا للائكية...


وحول سؤال: هل نحن نحتاج فعلا للائكية باعتبار أن ليس لدينا أقليات دينية قد تهمّش من طرف أغلبية دينية مهيمنة؟ أجاب الزغيدي :�أكيد أننا في حاجة للائكية فالحضور الديني المكثّف قد ينافي قيم الحداثة التي نريد والديمقراطية التي نرغب. فنحن لا نطمح الى خلافة اسلامية في تونس بل نريد دولة مدنية تحترم المعتقد وممارسة الشعائر دون أن تفرض وصاية دينية. فلا أحد له شرعية الوصاية الدينية.�ويضيف محدّثنا: �لنتصوّر اني جلست في اطار جدالي فكري مع راشد الغنوشي فأنا سأتحدّث من منطلق فكري بشري نقدي من حقه الاجتهاد واستبطان الأمور بما يتماشى مع روح العصر ومع المعطيات الحياتية الراهنة وهو سيشهر في وجهي المقدّس بحيث يكبّل ممارستي للملكة النقدية عندي خوفا من إيذاء مشاعر الناس باعتبار أن الوازع الديني هو خطّ أحمرلا يمكن المساس منه في مجتمع عربي مسلم كالمجتمع التونسي وهنا يكون الغنوشي استغل المقدّس للبحث عن مطامح سياسية..�


تأشيرة الحزب الديني..


أثار حصول النهضة على تأشيرة اختلاف في الآراء بين النخب المثقفة خاصّة فبين مؤيّد بدوافع أن اللعبة الديمقراطية تقتضي القبول بكل الأطراف وبين معارض يؤكّد على ضرورة صيانة مكسب مدنية الدولة كان للزغيدي رأيه حيث يقول: �التأشيرة لحزب ديني هو معاد للدستور وليس معاديا فقط للديمقراطية ..نحن نريد دولة مواطنين وليس دولة مؤمنين..فنحن لم نقرأ تداعيات المسألة. فلنفترض مثلا أن يتقدّم أكثر من حزب اسلامي للحصول على تأشيرة وأن تتقدّم الجالية اليهودية التي يناهز عددها أكثر من 1500 يهودي بمطلب للحصول على تأشيرة ماذا سنفعل عندها ؟..وبالتالي ستصبح الحياة السياسية عندنا حلبة صراع ديني فقهي ومذهبي وكل البلاد ستعزف على نغمة المعتقد في ابتزاز واستدرار واضح لمشاعرالناس.�


الدين والدولة والحجاب


حول رأيه فيما يتعلّق بأن اللائكيين تحركوا بعد الثورة خوفا من التيارات الدينية نفى الزغيدي ذلك بشدة مؤكدا أن الجمعية اللائكية تحركّت منذ 2006 لتطالب بالمساواة في الإرث وفي غيرها من المسائل الجوهرية التي تمسّ من كرامة المرأة وتدعوالى دونيتها..ولعلّ عملنا بعد الثورة تجسّد في التظاهروالخروج الى الشارع ولكن نحن نتمسّك بشرعية مطالبنا فلا يعقل أن تتحوّل المساجد الى منابر حزبية كما لا يمكن أن نسمح بأن تتحوّل أجهزة الدولة لتدعو للخلافة الاسلامية وللوصاية الدينية التي قد تفرض قسرا على باقي المجتمع اذا سمحنا لمن يمتهنها بالتحرّك بكل أريحية وفي الاتجاه الذي يريده. ولا أفهم فرض الحجاب بدعوى أنه ضامن للعفة. وأنا أعتقد أنه يرسّخ دونية المرأة ويجعلها رغم تقدّمها العلمي وتقدّمها الوظيفي عورة يجب سترها بخرقة قماش محافظة على غايات غير سوية في نفوس البعض...


بشرى بالحاج حميدة :حماية من يمارس شعائر الدين ومن لا يمارسها..


تؤكّد بشرى بالحاج حميدة المحامية والناشطة الحقوقية والعضو بالجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات أن العلمانية كفكر هي �تأكيد غير قابل للاستثناء بأن القوانين مصدرها وضعي إنساني �. وتعتبر بشرى بالحاج حميدة من المدافعات عن العلمانية التي لا تناقض كما تقول التديّن ..
�الأسبوعي� حاورت الأستاذة بالحاج حميدة التي تمسّكت بالقول: �أنه عكس ما يشاع تحمي العلمانية من يمارس شعائره الدينية ومن لا يمارسها�


إلحاد العلمانية وإرهاب الإسلاميين


ذهب خصوم العلمانية الى التحجّج بكونها تعادي الأديان وتدحضها وتقطع نهائيا مع الشريعة لكن بشرى بن حميدة ترى�أن هذا الرأي مردود على أصحابه باعتبار أن الدين مسألة شخصية لا دخل للمجتمع فيها لكي يحدّدها بضوابط أخلاقية. و من حق كلّ انسان ممارسة الديانة التي يرتضيها بكل حرية .لكن ما يشجب في هذه المسألة هو استعمال الدين لغايات سياسوية واللعب على الوازع لاستدرارعواطف الأخرين وابتزازهم وجدانيا ..باعتبار أن المجتمع التونسي أغلبيته من المسلمين وبالتالي فمن يتكلّم باسم الاسلام هو في الحقيقة يزايد عن معطى واقعي لن نثير حوله الجدل..كما أؤكّد أنه من الحيف أن نقرن صفة الارهاب بالاسلام ..فالارهاب هو الاجرام بعينه بينما اذا أخذنا النهضة كحزب سياسي وعلى مستوى الخطاب على الأقل فهي تنبذ العنف بينما الارهاب يحميه وبالتالي فالارتباط بينهما على أساس الفزّاعة يفتقد الى أدنى مقوّم عقلاني مثله مثل فزّاعة الالحاد العلمانية. فهذا غير مقبول. فالعلمانية لا تعني الحادا ناهيك أن الالحاد يدخل في خانة الاختيارالحرّ. فمن حقّ الانسان أن يتمتّع بحقوق كونية أساسية ومنها حرية المعتقد..لكن لا بدّ أن نرفع الالتباس عن المصطلح الذي هو في جوهره فصل الدين عن الدولة ولا علاقة بينه وبين الالحاد كضرورة ملحة لتبنيه..فالعلمانية كتوجّه يمكن أن يستوعب كل الخلفيات والمرجعيات فهي على العكس تحمي حق الانسان الذي يمارس ديانته والعلمانية تحمي كذلك من لا يمارس أو من لا دين له.


مبادئ نتفق حولها..


وحول القوانين المستلهمة من الشريعة والتي قد تقف أمام الفصل البناء بين الدين والسياسة تقول بالحاج حميدة� ما يطرح الان هو اذا كنّا نفكّر بجدية في بناء دولة حديثة على أسس ديمقراطية الحقوق فيها مضمونة لكل المواطنين يجب أن نلتزم قبل المضي قدما الى المجلس التأسيسي وسنّ دستورجديد للبلاد على جملة قواعد ومبادىء لا نحيد عنها تحت أي ظرف .ومن بين أهم هذه المبادىء حرية المعتقد وحق المساواة بين الناس بقطع النظرعن الجنس أو الدين..فأنا كتونسية أؤكّد أن هذه المبادىء لا بدّ أن يكون حولها اجماع دستوري يدعّم مكاسب الجمهورية. وهنا لا بدّ للمجتمع المدني أن يضع كل ثقله لتتحقّق هذه المطالب دون أن ننتظر هبة من أحد أو دون انتظار حدوث خرق كي نتحرّك. فنحن في مرحلة التأسيس وبالتالي ينبغي التأسيس لكل شيء على أساس المواطنة والمساواة.�


التيارات الدينية والمسار الديمقراطي

 

فيما يخصّ هذه المسألة أكّدت بالحاج حميدة :� نحن كمجتمع مدني يجب أن نمارس حقّنا في التصدّي لأي فكر رجعي ولا بدّ للحركة الديمقراطية أن تتفق مع النهضة مثلا على حدّ أدنى لا يمكن خرقه. فلا يمكن السمسرة بالدين من أطراف بعينها لنيل مطالب سياسية .فاستعمال المشترك�الدين� أو استعمال المساجد للدعوى الحزبية أو الدينية مرفوض تماما.�

وحول الفصل الأوّل من الدستور الذي قد يستعمله البعض لركوب موجة معينة تؤكّد محدّثتنا: �شخصيا ما يقلقني ليس الفصل الأول بل استعماله وبالتالي يجب أن تكون لدينا ضمانات دستورية تضمن مبادىء حقوق الانسان في اطلاقيتها.�  

 

 

 

الدكتورة رجاء بن سلامة: مبدأ حياد الدولة..

موقع الإله منطقة شاغرة لا يحل فيها أي بشر

تمت المرادفة بين العلمانية والإلحاد لفرض الإسلام السياسي

 


لا تخفي العديد من الشخصيات الفاعلة ثقافيا واجتماعيا موقفها من العلمانية كضمانة لا محيد عنها في اقرارالحريات الأساسية للمواطنة الحقّة وارساء المساواة وتحقيق العدالة وإشاعة مناخ من الديمقراطية يضمن حقوق الأفراد و يقطع نهائيا مع تدييّن السياسة أو تسييس الدين.

 

الأسبوعي التقت الدكتورة رجاء بن سلامة التي عبّرت بوضوح عن مواقفها من العلمانية وأهميتها -عند الفهم الصحيح- لإرساء دولة ديمقراطية حديثة تستجيب لمطالب الثورة وتطلّعات الشعب..


هناك من يرى أن العلمانية كفر والحاد وتهجّم على الدين الاسلامي. كيف ندحض هذه المقولة وما هي مزايا العلمانية سياسيا واجتماعيا وثقافيا؟


العلمانيّة ليست الإلحاد، والمرادفة بينهما لا تجوز، وحتّى المقاربة لا تجوز، لأنّهما ليسا من نفس القبيل : فالعلمانيّة مبدأ يتّصل بالحياة العامّة وينظّمها والإلحاد معتقد شخصيّ، يتّصل بالحياة الخاصّة، فهو ممارسة لإحدى الحرّيات الأساسيّة، هي حرّيّة المعتقد، وليس مبدأ تنظيم للدّولة. العلمانيّة، والكلمة مشتقّة من العالم لا من العلم، تعني أساسا مبدأ تنظيم للدّولة يكفل التّعايش بين كلّ التّعبيرات السّياسيّة وكلّ المعتقدات والأديان والإيديولوجيّات على حدّ السّواء، لأنّه يفصل بين الدّولة والمعتقدات الدّينيّة والإيديولوجيّة. العلمانيّة تعني أنّ الدّولة ليس لها دين ولا مذهب، لأنّها تقبل وتساوي بين كلّ المعتقددات والأديان والمذاهب ولذلك فإنّ الحركات التي أرادت إلغاء الدّين (البلشفيّة أو الأتاتوركيّة مثلا) لا يمكن أن نعتبرها اليوم علمانيّة. العلمانيّة إذن هي مبدأ حياد للدّولة، لا بدّ منه لكي نضمن الدّيمقراطيّة باعتبارها تعدّدا وقبولا للاختلاف، واحتراما للمختلفين.
العلمانيّة إذن صفة للدّولة تكفل التّعايش السّلميّ بين الجميع، وتحمي الدّين من التوظيفات العنفيّة، وتحمي من الدّين بضمان حرّيّة المعتقد. وقد تمّت المرادفة بين العلمانيّة والإلحاد لفرض الإسلام السّياسيّ، أو لإقصاء غير المؤمنين أو المختلفين عامّة من المواطنة.


والنّتيجة هي أنّ المؤمن يمكن أن يكون علمانيّا، والملحد يمكن أن يكون غير علمانيّ. وقد رأينا في المسيرة التي نظّمت يوم السبت 19 فيفري من أجل العلمانيّة الكثير من النّساء المحجّبات، ولم أر شخصيّا تناقضا في الأمر. هذه هي العلمانيّة باعتبارها من أسس الحياة الدّيمقراطيّة، وباعتبارها تضمن حرّيّة الاعتقاد وتضمن الحرّيات الفرديّة للجميع. المرأة المحجّبة يمكن أن تكون علمانيّة إذا آمنت بضرورة التّعدّد وآمنت بحقّ كلّ امرأة وكلّ مواطن في اختيار معتقده وفي التّعبير عنه بالقول والفعل واللّباس.


اذا كانت العلمانية تقتضي الفصل التام بين الدين والسياسية فكيف سنتعامل مع الفصل الأول من الدستورالتونسي؟


يمكن الإحالة إلى الإسلام أو إلى الحضارة الإسلاميّة في الدّستور الجديد، شريطة أن ينسب الشّعب التّونسي إلى الإسلام، أمّا الدّولة، فمفهوم يجب أن يبقى مجرّدا حسب رأيي، ويجب أن تبقى الدّولة هيئة ثالثة ضامنة للحرّية والاختلاف. الشّعب يمكن أن يكون مسلما، أو منتميا إلى الحضارة العربية الإسلامية، وهذه الصّياغة أفضل بالنّسبة إليّ، أمّا أن تكون �الدّولة� نفسها مسلمة أو دينها الإسلام فهذا لا معنى له حسب رأيي ورأي الكثيرين. وإيراد هذا المكوّن الهووي يجب أن يقيّد على أيّة حال بمرجعيّة حقوق الإنسان. لأنّ من مقتضيات العلمانيّة أن يكون القانون وضعيّا. الأديان تبقى مجال الأخلاق ومجال الحياة الخاصّة.


التنصيصات القانونية النابعة من قواعد الشريعة الاسلامية والمضمنة بمجلة الأحوال الشخصية (كأحكام الارث) كيف يمكن أن نتعامل معها �علمانيا�؟


-الأحكام القرآنية التي تتعارض مع مبادئ المساواة وحقوق الإنسان لا بدّ من تنزيلها في سياقها التّاريخيّ وإبطال العمل بها كما تمّ إبطال العمل بأحكام الرّق، وبالعقوبات الجسديّة (قطع يد السّارق وأحكام الحرابة التي تقتضي قطع اليد والرّجل، ورجم الزّاني والزانية...)


أتباع حزب النّهضة، إذا أرادوا أن يكونوا طرفا في الحياة الدّيمقراطيّة يجب أن يغيّروا أنفسهم بحيث يقبلون العمل بالمقاصد الأساسيّة للشّريعة مثلا، على نحو ما دعا إليه محمد الطالبي ومحمد الشرفي وغيرهما. عليهم أن يبتدعوا أشكال تديّن جديد حتى لا نعود مجدّدا إلى المعارك التي أضعنا نصف أعمارنا في خوضها. أرجو أن نتقدّم بحوارنا الوطنيّ بحيث يوفّر علينا الإسلاميّون العودة من جديد إلى الجدل حول قطع يد السارق وتعدّد الزوجات. تعبنا من طرح هذه القضايا التي تجاوزها الواقع الفعليّ بتونس، ولنمرّ إلى ما هو أهمّ وأقرب إلى تحقيق مكاسب الثورة وشبابها، وأهمها تحقيق التنمية المستديمة في المناطق التي تمّ تهميشها.


من يريد أن يصل للسلطة باسم الدين ماذا تقول له الدكتورة بن سلامة؟


-بعد أن تمّ إبطال الدّستور القديم الذي كان يمنع إنشاء أحزاب على أساس دينيّ أوجهوي أوعنصريّ أوأثنيّ، وبعد أن تمّ الاعتراف بحركة النّهضة، يجب أن نفكّر في صيغة علمانيّة مفتوحة. لم يعد بالإمكان إقصاء هذه الحركات. لكن ما هو �باسم الدّين� يجب أن لا يتعارض مع ما هو �باسم الدّيمقراطيّة�. لا بدّ من ضوابط ديمقراطيّة ودستوريّة جديدة لجعل هذه الحركات تقبل حقيقة باللّعبة الدّيمقراطيّة. من هذه الضّوابط حسب رأيي أنّ هذه الحركات يجب أن لا تدّعي احتكار تمثيل الإسلام، واحتكار تمثيل الشّعب. والنّاطقون باسم هذه الحركات يجب أن لا يدّعوا الكلام باسم الإله، لأنّ موقع الإله يجب أن يكون منطقة شاغرة لا يحلّ فيها أيّ بشر، ويجب عليهم أن لا يتّخذوا أماكن العبادة مقرات للدّعوة الحزبية السياسية. ثمّ إن الذين يتخذون الدين مرجعيّة يجب عليهم أن لا ينكروا مرجعيّة حقوق الإنسان باسم الدين. عليهم أن يبدعوا تديّنا يرقى إلى حقوق الإنسان، لا العكس، أي أن لا يطوّعوا حقوق الإنسان للتّديّن التقليديّ. وعلى هذه الحركات أن تبرهن على أنّها تحترم حرّيّة الفكر والمعتقد، بحيث لا تقصي ولا تحارب غير المتديّنين، ولا تفرض على الجميع العمل بالشّعائر الإسلاميّة. حريّة العبادة يجب أن تكون مكفولة، ولكنّ حرّية عدم العبادة يجب أن تكون مكفولة أيضا.


والتّحالفات السّياسويّة التّكتيكيّة غير المشروطة مع هذه الحركات لا يساعدها على التّطوّر، ولا يساعدها على تثقيف قواعدها وتطويرها لكي تقبل بالمبادئ الديمقراطية. التّحالفات مع الحركة الإسلاميّة يجب أن ينبني على الحوار اليقظ، وعلى طرح الأسئلة التي تتقدّم بالمسارالديمقراطي الذي من شروطه نبذ العنف والاقصاء.


محمد القوماني:لا مبرر للربط بين العلمانية والإلحاد


العلمانية تظلّ دائما منهجا فكريا تتبناه أطروحات مختلفة سواء في إطار تنظيمي حزبي أو في إطار جمعياتي داخل مكوّنات المجتمع المدني وسواء كان هذا أو ذاك فان العلمانية تلقى تجاوبا وصدى ايجابيا لدى عدد كبير من المثقفين والسياسين باعتبارها ضمانة هامة للمسار الديمقراطي مع التأكيد على ضرورة الالتزام مع الأخذ بعين الاعتبار بالخصوصيات الحضارية و الهوية العربية والإسلامية..محمّد القوماني الناطق الرسمي باسم تيار الإصلاح والتنمية وهو تيار كما يقول �ينتمي فكريا الى الفكر العربي المعاصر الذي راكم جملة الثغرات في التوجهات الايديولوجية السابقة ويحاول ينتهي إلى صياغة جديدة مبنية أي اضافة نوعية لهذه التراكمات وليس تلفيقا وترقيعا لأفكار شتّى..�
�الأسبوعي� التقت محمّد القوماني الذي كانت له مواقفه ورؤاه حول العلمانية والعلمانيين..


خطر استعمال المقدس..


عندما أراد محمّد القوماني أن يبسّط لنا المفاهيم و المبادئ التي يقوم عليها �تيار الإصلاح والتنمية� قال: �هو حزب وسط متجذّر في الثقافة الوطنية العربية الإسلامية و يتحرّك بروح ولا يرى تناقضا بين الهوية والحداثة..�وقد يكون هذا التعريف يحمل فكرا معتدلا وهو ما دفعنا إلى سؤال محدّثنا حول إمكانية أن نتموقع في الوسط دون تطرّف في الأطروحات والرؤى ودون استعمال فزّاعة الحاد العلمانية وإرهاب الاسلاميين. وعن ذلك أجاب: �نحن نرى بأنّ ليس هناك أي مبرّر للربط الآلي بين الدين والإرهاب وبين الدين والاستبداد كما لا يوجد أي مبرّر للربط بين العلمانية و بين الإلحاد. والخطر في مجتمعنا أن يستعمل المقدّس والدين أساسا كأداة للصراع إما بادعاء الأولوية والأسبقية باسم الدين وباسم الهوية أو إقصاء الآخرين من الديمقراطية ومن الحياة السياسية باسم الدين وباسم الهوية.


ليس معنى ذلك أن كل متدّين هو ضدّ الديمقراطية و ليس بالضرورة كلّ من يدعو إلى اللائكية هو ضدّ الدين وبالتالي يجب أن يبقى الصراع السياسي في إطار الاختلاف والتنافس والقدرة على الإقناع بنجاح الأطروحة في الواقع وجدواها في حلّ مشاكل الناس المختلفة.


ولا بدّ أن نؤكّد أن جمع المتدينين أو الإسلاميين تحت لافتة واحدة وأطروحات فكرية و سياسية واحدة مخالفة للواقع كما أن جمع العلمانين تحت نفس الأطروحات الفكرية والسياسية مخالف للواقع.�

 

إقصاء الأخر


ربمّا من الأطروحات التي ميزت الاصلاح والتنمية في الفترة السابقة هو رفض التنافي بمعنى كل طرف ينفي الأخرويقصيه لان الهوية بمقوّمها الأساسي العربي الاسلامي مشترك بين التونسيين لا يجوز لجهة احتكاره وهذه الهوية الجمعية للمجتمع لا تلغي الاختيارات الفردية الحرة..ولا تطمس بقية الاسهامات والروافد ومن منظور حقوق الإنسان والديمقراطية الالحاد حق شخصي والحقوق الفردية بالنسبة الينا لا تقبل التضييق او المصادرة.


النهضة لا تخالف قانون الأحزاب


حول الإشكالية التي طفت إلى السطح عندما حصلت حركة النهضة على التأشيرة القانونية بدعوى أن قانون الأحزاب يمنع تأسيس حزب على أساس ديني أفاد محدّثنا :�بالنسبة لقانون الأحزاب هو أن هناك سلطة تقديرية فيه لوزير الداخلية كبيرة جدّا ومثلما تمّ منع النهضة من الحصول على التأشيرة سابقا استنادا لهذه الرخصة فإنها منحت الآن استنادا أيضا إلى هذه السلطة التقديرية..وحسب ما اطّلعت عليه فان الأهداف التي أعلنتها حركة النهضة في قانونها الأساسي الذي قدّم لوزارة الداخلية تقرّ أنها تدعو الى دولة مدنية وتعمل في إطار الجمهورية وتلتزم بالمكاسب الحضارية وهذا ما يجعلها غير مخالفة لقانون الأحزاب بهذا المعنى. والمهم في رأي أن المنظومة السياسية يجب أن تستوعب الأطراف من اليسار ومن اليمين ولا تقصيهم كما في السابق لأن إدخالهم في المنظومة سيضطرهم إلى تطوير أنفسهم وسينزع عنهم مشروعية �المظلومية� التي تحيطهم بالتعاطف وتجعلهم في مواجهة حقيقية لمشاكل الناس الاجتماعية والاقتصادية والتربوية وكل هذا هو الأساس. فان تلك الأحزاب ستتوسّع أو تتراجع بحسب قدراتها على الاقتراح وتقديم حلول ناجعة. ومثلما تراجع الإسلاميون في بعض البلدان تقدّم إسلاميون في بلدان أخرى (تركيا)


الفرق بين أوردغان وطالبان


حول ما مدى فهم مكونات المجتمع بما في ذلك النخب يقول القوماني: �من المشاكل المطروحة حتى في أوساط النخب وفي الأوساط الشعبية هواللبس الكبير في المصطلحات ..مصطلحات شحنت بمعاني يصعب تجاوزها ومن بينها العلمانية والاسلامية التي تحتاج الى مقاربات جديدة لأنه في رأي الناس يختلف المجتمع العربي عن المجتمع الغربي والإسلام مختلف عن المسيحية. والإسلاميون �الإخوان المسلمون� هم غيراسلاميواليوم. فالفرق كبيركما يقال بين أوردغان وطالبان.
كذلك �العلمانية فقد تكون ذات مفعول ايجابي عند تطبيقها بطريقة تضمن الحريات وتقرّ المساواة وتفصل الدين عن الدولة في إطار مراعاة الخصوصية الحضارية للمجتمع التونسي.
 

(المصدر: صحيفة "الصباح الأسبوعي" (أسبوعية - تونس) الصادرة يوم 7 مارس 2011)